الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
في الإحداد فيه لغتان: أحدت إحدادا فهي محد ومحدة إذا تركت الزينة لموته، وحدت المرأة على زوجها تحد وتحد حدادا بالكسر فهي حاد بغيرها وأنكر الأصمعي الثلاثي واقتصر على الرباعي كذا في المصباح، وفي القاموس والحاد والمحد تاركة الزينة للعدة حدت تحد وتحد حدادا وأحدت ا هـ. وفي الشريعة ترك الزينة ونحوها من معتدة بطلاق بائن أو موت. (قوله: تحد معتدة البت والموت بترك الزينة والطيب والكحل والدهن إلا بعذر والحناء ولبس المزعفر والمعصفر إن كانت مسلمة بالغة) أي: تحد المبانة والمتوفى عنها زوجها بترك ما ذكر أطلقه فشمل الطلاق واحدة أو أكثر والفرقة كما في الخانية وعبر بالإخبار عن فعلها لإفادة أنه واجب عليها للحديث الصحيح: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا} وتعقب بأنه لا دليل فيه على الإيجاب؛ لأن حاصله استثناؤه من نفي الحل فيفيد ثبوت الحل ولا كلام فيه فالأولى الاستدلال بالرواية الأخرى: «إلا على زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا» فصرح بالنهي في تفصيل معنى ترك الإحداد ولا خلاف في عدم وجوبه على المرأة بسبب غير الزوج من الأقارب وهل يباح. قال محمد في النوادر لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو ابنها أو أخوها أو أمها وإنما هو في الزوج خاصة قيل: أراد بذلك فيما زاد على الثلاث لما في الحديث من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام كذا في فتح القدير، وفي التتارخانية سئل أبو الفضل عن المرأة يموت زوجها أو أبوها أو غيرهما من الأقارب فتصبغ ثوبها أسود فتلبسه شهرين أو ثلاثة أو أربعة تأسفا على الميت أتعذر في ذلك؟ فقال: لا وسئل عنها علي بن أحمد فقال لا تعذر وهي آثمة إلا الزوجة في حق زوجها فإنها تعذر إلى ثلاثة أيام ا هـ. وظاهره منعها من لبس السواد تأسفا على موت زوجها أكثر من الثلاث وقيد بالبت؛ لأن المطلقة رجعيا لا حداد عليها وينبغي أنها لو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام ولها زوج له أن يمنعها؛ لأن الزينة حقه حتى كان له أن يضربها على تركها إذا امتنعت وهو يريدها، وهذا الإحداد مباح لها لا واجب وبه يفوت حقه كذا في فتح القدير وفي التتارخانية ويستحب لها تركه ولما وجب في الموت إظهارا للتأسف على فوات نعمة النكاح فوجب على المبتوتة إلحاقا لها بالمتوفى عنها زوجها بالأولى؛ لأن الموت أقطع من الإبانة ولهذا تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها وأطلق في ترك الطيب فلا تحضر عمله ولا تتجر فيه وإن لم يكن لها كسب إلا فيه ودخل في الزينة الامتشاط بمشط أسنانه ضيقة لا الواسعة كما في المبسوط وشمل لبس الحرير بجميع أنواعه وألوانه، ولو أسود وجميع أنواع الحلي من ذهب وفضة وجواهر زاد في التتارخانية القصب. وقوله: " إلا بعذر " متعلق بالجميع لا بالدهن وحده فلها لبس الحرير للحكة والقمل ولها الاكتحال للضرورة، ولو أخر الاستثناء عن الجميع لكان أولى لجواز لبس المعصفر والمزعفر إذا لم تجد غيره لوجوب ستر العورة وذكر الدهن بعد الطيب ليفيد حرمته وإن لم يكن مطيبا كالزيت الخالص منه والشيرج والسمن، وفي المجتبى، ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا، فإن كان أمرا ظاهرا يباح لها ا هـ. ويستثنى من المعصفر والمزعفر الخلق الذي لا رائحة له فإنه جائز كما في الهداية وقيد بإسلامها مع بلوغها؛ لأنه لا حداد على كافرة ولا صغيرة وقدمنا معنى وجوب العدة عليهما ولم يقيد بالعقل مع أنه لا حداد على مجنونة للاكتفاء بما يخرج الصغيرة؛ لأن عدمه عليها ليس إلا لعدم تكليفها والمجنونة مثلها في ذلك ولهذا قال الإسبيجابي رحمه الله تعالى الأصل أن كل معتدة مخاطبة فارقت فراش زوج حلال يجب عليها الإحداد وإلا فلا ا هـ. ولم يقيد بالحرية لوجوبه على الأمة المنكوحة لكونها مكلفة بحقوق الشرع ما لم يفت به حق العبد ولهذا لا يحرم عليها الخروج إلا إذا كانت في بيت الزوج وقت الطلاق ولم يخرجها المولى ويحل إن أخرجها والمدبرة والمكاتبة والمستسعاة كالقنة، ولو أسلمت الكافرة في العدة لزمها الإحداد فيما بقي من العدة كذا في الجوهرة وينبغي كذلك لو بلغت الصغيرة أو أفاقت المجنونة؛ إذ لا فرق واقتصاره على ترك ما ذكر يفيد جواز دخول الحمام لها ونقل في المعراج أن عندهم لها أن تدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمي والسدر وفيه أن الحداد حق الشرع حتى لو أمرها الزوج بتركه لم يحل لها. (قوله: لا معتدة العتق والنكاح الفاسد) أي: لا حداد على أم الولد إذا أعتقت بإعتاق سيدها أو موته ولا على المعتدة من نكاح فاسد وهو مفهوم من اقتصاره على البت والموت، وفي الخانية لو تزوج أمة وملكها بعد الدخول وقد ولدت منه فسد النكاح بينهما ولا حداد عليها ولا يجوز لغيره أن يتزوجها حتى تحيض حيضتين، فإن أعتقها كان عليها عدتان عدة فساد النكاح وفيها الحداد وعدة العتق ولا حداد فيها فتحد في حيضتين دون الثالثة، ولو أعتقها بعد حيضتين كان عليها أن تعتد بثلاث ا هـ. وبهذا ظهر أن النكاح إذا فسد بعد صحته يوجب الحداد بخلاف ما إذا كان فاسدا من أصله؛ لأنه إنما وجب إظهارا للتأسف على فوات نعمة النكاح وسببه النكاح الصحيح فلا يتأسف على الفاسد واستفيد عدم وجوبه على المعتدة من وطء بشبهة بالأولى كما في المعراج فالحاصل لا إحداد على كافرة ولا صغيرة ولا مجنونة ولا معتدة عن عتق ولا معتدة عن نكاح فاسد ولا على معتدة عن وطء بشبهة ولا معتدة عن طلاق رجعي فهن سبع لا حداد عليهن، فإن قلت إن العلة لوجوبه أعني إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح وإن فاتت في مسألتي الكتاب بقيت أخرى أعني عدم إظهار الرغبة فيما هو ممنوع فيها وهذه الأشياء للرغبة أجيب بأن هذه حكمة فلا تطرد وتلك علة يزول الحكم بزوالها كما في المعراج. (قوله: ولا تخطب معتدة) أي: تحرم خطبتها وهي بكسر الخاء مصدر بمنزلة الخطب مثل قولك إنه لحسن القعدة والجلسة تريد القعود والجلوس وفي اشتقاقه وجهان الأول أن الخطب هو الأمر والشأن يقال ما خطبك أي: ما شأنك فقولهم خطب فلان فلانة أي: سألها أمرا وشأنا في نفسها والثاني أن أصل الخطبة من الخطاب الذي هو الكلام يقال خطب المرأة خطبة؛ لأنه خاطب في عقد النكاح وخطب خطبة أي: خاطب بالزجر والوعظ والخطب الأمر العظيم؛ لأنه يحتاج فيه إلى خطاب كثير كذا ذكر الإمام الرازي أطلقها فشمل المعتدة عن طلاق بنوعيه وعن وفاة وعن عتق وعن غير ذلك ولم أره صريحا وعلم منه حرمة خطبة المنكوحة بالأولى وتحرم تصريحا وتعريضا كما في البدائع وقيد بالمعتدة؛ لأن الخالية عن نكاح وعدة تحل خطبتها تصريحا وتعريضا لجواز نكاحها لكن بشرط أن لا يخطبها غيره قبله، فإن خطبها فعلى ثلاثة أوجه: إما أن تصرح بالرضا فتحرم أو بالرد فتحل أو تسكت فقولان للعلماء ولم أر هذا التفصيل لأصحابنا وأصله الحديث الصحيح: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» وقيدوه بأن لا يأذن له واستفيد من حرمة خطبة المعتدة حرمة نكاحها على غير المطلق بالأولى وهو ظاهر ولكن جعلوا دليله قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} ووجهه أن المراد لا تعقدوا وعبر عنه بالعزم؛ لأنه سببه مبالغة في المنع عنه، وقيل هو باق على حقيقته والمراد به الإيجاب يقال عزمت عليك أي أوجبت عليك والإيجاب سبب للوجود ظاهرا فكان مجازا عنه أي: لا توجدوا عقد النكاح، وهذا القول هو اختيار أكثر المحققين، وفي الكتاب وجهان أحدهما المكتوب والمعنى حتى تبلغ العدة المفروضة آخرها. الثاني: أن الكتاب بمعنى الفرض أي: حتى يبلغ هذا الكتاب آخره ونهايته وتمامه في التفسير الكبير. (قوله: وصح التعريض) وهو لغة خلاف التصريح والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة ليس فيها ذكر كقولك ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك فلان طويل النجاد وكثير رماد القدر يعني أنه طويل القامة ومضياف كذا في المغرب والمراد به هنا أن يذكر شيئا يدل على شيء لم يذكره نحو أن يقول إني أريد أن أتزوج امرأة من أمرها كذا أو من أمرها كذا كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما وما قيل: إن منه أن يقول لها إنك لجميلة وإني فيك لراغب وإنك لتعجبيني أو إني لأرجو أن أجتمع أنا وإياك وإنك لدينة فهو غير سديد ولا يحل لأحد أن يشافه امرأة أجنبية لا يحل له نكاحها للحال بمثل هذه الكلمات؛ لأن بعضها صريح في الخطبة وبعضها صريح في إظهار الرغبة فلا يجوز شيء من ذلك كذا في البدائع وظاهره أن التعريض جائز لكل معتدة وليس كذلك بل لا يجوز إلا للمتوفى عنها زوجها بالإجماع كذا في المعراج. وأما المطلقة فغير جائز لما فيه من إيراث العداوة بين المطلق والخاطب بخلاف الميت فإن النكاح قد انقطع فلا عداوة من الميت ولا ورثته والأصل في ذلك قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا} قال الرازي في تفسيره أراد به المتوفى عنها زوجها بدليل سياق الآية والمعنى لا إثم عليكم فيما ذكرتم لهن من الألفاظ الموهمة لإرادة نكاحهن أو أضمرتم في أنفسكم فلم تنطقوا به تعريضا ولا تصريحا علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن نكاحا والاستثناء من لا تواعدوهن وهو منقطع؛ لأن القول المعروف ليس داخلا في السر والاستدراك مما قدرناه وتمامه في التفسير الكبير. (قوله: ولا تخرج معتدة الطلاق) لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} أي: لا تخرجوا المعتدات من المساكن التي كنتم تسكنون فيها قبل الطلاق، فإن كانت المساكن عارية فارتجعت من الساكن كان على الأزواج أن يعينوا مساكن أخرى بطريق الشراء أو الكراء وعلى الزوجات أيضا أن لا يخرجن حقا لله تعالى إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجن ليلا أو نهارا كان حراما وقال ابن عباس رضي الله عنهما الفاحشة الزنا فيخرجن لإقامة الحد وبه قال الأكثرون وقال ابن عمر رضي الله عنهما خروجها قبل انقضاء العدة. وقال بعضهم: العصيان الظاهر وهو النشوز عن المجاورة وجمع بين النهي عن الإخراج والخروج؛ لأن الإخراج إخراج الزوج لها غصبا وكراهة أو حاجة إلى المسكن وأن لا يأذن لها في الخروج إذا طلبت والخروج خروجهن بأنفسهن إذا أردن ذلك وقرئ {مبينة} بالكسر والفتح وتمامه في التفسير الكبير وأخذ أبو حنيفة بتفسير ابن عمر رضي الله عنهما كذا ذكره الإسبيجابي وذكر في الجوهرة أن أصحابنا قالوا: الصحيح تفسيرها بالزنا كما فسره ابن مسعود رضي الله عنه أطلقه فشمل الرجعي والبائن بنوعيه والمراد معتدة الفرقة سواء كانت بطلاق أو بغيره ولو كانت بمعصية كتقبيلها ابن الزوج كما في البدائع وما إذا خرجت بإذن المطلق وبغير إذنه حتى إن المطلقة رجعيا وإن كانت منكوحة حكما لا تخرج من بيت العدة، ولو أذن الزوج بخلاف ما قبل الطلاق؛ لأن الحرمة بعده للعدة وهي حق الله تعالى فلا يملكان إبطاله بخلاف ما قبله؛ لأن الحرمة لحق الزوج فيملك إبطاله بالإذن. وسيأتي أنها تخرج حالة الضرورة كما إذا أخرجت أو انهدم البيت فهو مقيد بحالة الاختيار ولا بد من تقييدها بالحرية والتكليف؛ لأن الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة يجوز لها الخروج في عدة الطلاق والوفاة؛ لأن حالة العدة مبنية على حال النكاح ولا يلزمها المقام في منزل زوجها حال النكاح فكذا بعده ولأن الخدمة حق المولى فلا يجوز إبطاله إلا إذا بوأها منزلا فحينئذ لا تخرج وله الرجوع، ولو بوأها في النكاح ثم طلقت فللزوج منعها من الخروج حتى يطلبها المولى، وأما الصغيرة والمجنونة فلا يتعلق بهما شيء من أحكام التكليف كما قدمناه في الحداد ولكن للزوج أن يمنع المجنونة تحصينا لمائه من الخروج ويمنع الصغيرة إذا كانت مطلقة رجعيا كما في البدائع، وفي المعراج وشرح النقاية المراهقة كالبالغة في المنع من الخروج وكالكتابية في عدم وجوب الإحداد، وأما الكتابية فلا يحرم عليها الخروج؛ لأنها غير مخاطبة بحق الشرع إلا إن منعها الزوج صيانة لمائه، وكذا إذا أسلم زوج المجنونة وأبت الإسلام كذا في البدائع، وفي الظهيرية الكتابية لا تخرج إلا بإذن الزوج بخلاف المسلمة فإنها لا تخرج لا بإذن الزوج ولا بعدم الإذن ا هـ. وبين العبارتين فرق للمتأمل وقيد بمعتدة الطلاق؛ لأن معتدة الوطء لا يحرم عليها الخروج كالمعتدة عن عتق كأم الولد إذا أعتقها سيدها أو مات عنها والمعتدة عن نكاح فاسد أو وطء بشبهة؛ لأنه لا يفيد المنع عن الخروج قبل التفريق فكذا في عدته إلا إن منعها الزوج لتحصين مائه فله ذلك كذا في البدائع وينبغي أن يلحق به أم الولد إذا أعتقها سيدها فله منعها لتحصين مائه، فإن أعتقت الأمة في العدة أو أسلمت الكتابية حرم الخروج كما في البدائع وينبغي أن يكون كذلك في الصغيرة إذا بلغت والمجنونة إذا أفاقت، وفي الظهيرية وسائر وجوه الفرق التي توجب العدة من النكاح الصحيح والفاسد سواء يعني في حق حرمة الخروج من بيتها في العدة فهذا تنصيص على أن المنكوحة نكاحا فاسدا تعتد في بيت الزوج وحكي فتوى شمس الإسلام الأوزجندي أنها لا تعتد في منزل الزوج؛ لأنه لا ملك له عليها ا هـ. وفي المجتبى لا تمنع المعتدة عن نكاح فاسد من الخروج، وفي التتارخانية إذا قبلت ابن زوجها فلا نفقة لها ولها السكنى، والنصراني إذا طلق النصرانية فلها النفقة لا السكنى وشمل أيضا المنزل المملوك للزوج وغيره حتى لو كان غائبا وهي في دار بأجرة قادرة على دفعها فليس لها أن تخرج بل تدفع وترجع إن كان بإذن الحاكم وشمل خروجها إلى صحن دار فيها منازل لغيره بخلاف ما إذا كانت المنازل له وشمل أيضا المختلعة على نفقة عدتها فالصحيح المختار أنه لا يباح لها الخروج وبه أفتى الصدر الشهيد كما لو اختلعت على أن لا سكنى لها ويلزمها أن تكتري بيت الزوج كما في المعراج، ولو زارت أهلها والزوج معها أو لا فطلقها كان عليها أن تعود إلى منزلها ذلك فتعتد كما في فتح القدير، وفي المجتبى لو طلقت في غير مسكنها تعود إلى مسكنها بغير تأخير. (قوله: ومعتدة الموت تخرج يوما وبعض الليل) لتكتسب لأجل قيام المعيشة؛ لأنه لا نفقة لها حتى لو كان عندها كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها أن تخرج لزيارة ولا لغيرها ليلا ولا نهارا. والحاصل أن مدار الحل كون خروجها بسبب قيام شغل المعيشة فيتقدر بقدره فمتى انقضت حاجتها لا يحل لها بعد ذلك صرف الزمان خارج بيتها كذا في فتح القدير وأقول: لو صح هذا عمم أصحابنا الحكم فقالوا لا تخرج المعتدة عن طلاق أو موت إلا لضرورة؛ لأن المطلقة تخرج للضرورة بحسبها ليلا كان أو نهارا والمعتدة عن موت كذلك فأين الفرق؟ فالظاهر من كلامهم جواز خروج المعتدة عن وفاة نهارا، ولو كانت قادرة على النفقة ولهذا استدل أصحابنا بحديث: «فريعة بنت أبي سعيد الخدري رحمه الله تعالى أن زوجها لما قتل أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في الانتقال إلى بني خدرة فقال لها: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله} فدل على حكمين إباحة الخروج بالنهار وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها ومنعها من الانتقال وروى علقمة أن نسوة من همدان نعي إليهن أزواجهن فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن إنا نستوحش فأمرهن أن يجتمعن بالنهار، فإذا كان بالليل فلترجع كل امرأة إلى بيتها كذا في البدائع، وفي المحيط عزاء الثاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي الجوهرة يعني ببعض الليل مقدار ما تستكمل به حوائجها، وفي الظهيرية والمتوفى عنها زوجها لا بأس بأن تتغيب عن بيتها أقل من نصف الليل قال شمس الأئمة الحلواني وهذه الرواية صحيحة ا هـ. ولكن في الخانية والمتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار لحاجتها إلى نفقتها ولا تبيت إلا في بيت زوجها ا هـ. فظاهره أنها لو لم تكن محتاجة إلى النفقة لا يباح لها الخروج نهارا كما فهمه المحقق. (قوله: وتعتدان في بيت وجبت فيه إلا أن تخرج أو ينهدم) أي معتدة الطلاق والموت يعتدان في المنزل المضاف إليهما بالسكنى وقت الطلاق والموت ولا يخرجان منه إلا لضرورة لما تلوناه من الآية والبيت المضاف إليها في الآية ما تسكنه كما قدمناه سواء كان الزوج ساكنا معها أو لم يكن كذا في البدائع ولهذا قدمنا أنها لو زارت أهلها فطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه واستفيد من كلامه أن أجر المنزل بعد وفاة الزوج من مالها إن كان لها مال وبعد الطلاق على الزوج، فإن كان الزوج غائبا فطولبت بالكراء فعليها إعطاؤه من مالها حيث كانت قادرة وترجع به عليه إن دفعت بإذن القاضي هكذا في البدائع وغيرها هكذا أطلقه الشيخان خواهر زاده وشمس الأئمة السرخسي وظاهره أنها لا تخرج منها قبل العدة وإن لم تكن مستأجرة ولا زوجها مستأجرا. وذكر شمس الأئمة الحلواني أن المنزل إذا كان بإجارة ينظر إن كانت مشاهرة فلها التحول وإن كانت إجارة إلى مدة طويلة فليس لها التحول كذا في الظهيرية واستفيد أيضا أن المطلق لو طلب من القاضي أن يسكنها بجواره لا يجيبه إلى ذلك وإنما تعتد في مسكن كانت تسكنه قبل المفارقة كذا في الظهيرية وأطلق في الإخراج فشمل ما إذا أخرجها المطلق ظلما وتعديا وما إذا أخرجها صاحب الدار لعدم قدرتهما على الكراء ووجدت منزلا بغير كراء وما إذا أخرجها الوارث وكان نصيبها من البيت لا يكفيها وفي المجتبى كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها اشترت من الأجانب وأولاده الكبار، وكذا في الطلاق البائن ا هـ. وظاهره وجوب الشراء عليها إن كانت قادرة ويقال يجب الكراء والشراء إن أمكن وحكم ما انتقلت إليه حكم المسكن الأصلي فلا تخرج منه على ما أسلفناه وتعيين المنزل الثاني للزوج في معتدة الطلاق ولها في الوفاة كما في فتح القدير، وكذا إذا كان زوجها غائبا وطلقها فالتعيين لها كذا في المعراج وفي المعراج أيضا عين انتقالها إلى أقرب المواضع مما انهدم في الوفاة وإلى حيث شاءت في الطلاق والمراد بالانهدام خوفه كما في الظهيرية فلها الخروج إذا خافت الانهدام عليها والمراد إذا خافت على نفسها أو متاعها من اللصوص فلها التحول للضرورة وليس المراد حصر الأعذار فيما ذكر فمنها ما في الظهيرية لو لم يكن معها أحد في البيت وهي تخاف بالليل بالقلب من أمر الميت والموت إن كان الخوف شديدا كان لها التحول وإن لم يكن شديدا فليس لها التحول كذا في الظهيرية، وفي القنية خرجت المعتدة لإصلاح ما لا بد لها كالزراعة وطلب النفقة وإخراج الكرم ولا وكيل لها فلها ذلك ا هـ. ومنها طلقها بالبادية وهي معه في محفة أو خيمة والزوج ينتقل من موضع إلى آخر للكلأ والماء، فإن كان يدخل عليها ضرر بين في نفسها ومالها بتركها في ذلك الموضع فله أن يتحول بها وإلا فلا كذا في الظهيرية أيضا وليس منها سفرها للحج أو للعمرة فلا تخرج المعتدة لسفر حج أو عمرة كذا في المعراج وليس للزوج المسافرة بالمعتدة، ولو عن رجعي وقدمناه في بابها ولم يبين المصنف حكم إقامته معها في منزل الطلاق قال في المجتبى وإذا وجب الاعتداد في منزل الزوج فلا بأس بأن يسكنا في بيت واحد إذا كان عدلا سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا أو ثلاثا والأفضل أن يحال بينهما في البيتوتة بستر إلا أن يكون الزوج فاسقا فيحال بامرأة ثقة تقدر على الحيلولة بينهما وإن تعذر فلتخرج هي وتعتد في منزل آخر، وكذا لو ضاق البيت وإن خرج هو كان أولى ولهما أن يسكنا بعد الثلاث في بيت إذا لم يلتقيا التقاء الأزواج ولم يكن فيه خوف فتنة ا هـ. وهكذا صرح في الهداية بأن خروجه أولى من خروجها عند العذر ولعل المراد أنه أرجح فيجب الحكم به كما يقال إذا تعارض محرم ومبيح ترجح المحرم أو فالمحرم أولى ويراد ما قلنا في هذا؛ لأنهم عللوا أولوية خروجه بأن مكثها واجب لا مكثه كذا في فتح القدير وقد استفيد من كلامهم أن الحائل يمنع الخلوة المحرمة قال في الظهيرية: يجعل بينهما حجاب حتى لا يكون بينه وبين امرأة أجنبية خلوة وإنما اكتفي بالحائل؛ لأن الزوج معترف بالحرمة ا هـ. فيمكن أن يقال في الأجنبية كذلك وإن لم تكن معتدته إلا أن يوجد نقل بخلافه، وكذا حكم السترة إذا مات زوجها وله أولاد كبار أجانب كما في المعراج، وأما نفقة هذه المرأة الحائلة بينهما فقال في تلخيص الجامع الكبير للصدر الشهيد من باب ما يوضع عند العدل شهدا أو واحد عدل أنه طلقها ثلاثا وقد دخل يمنع من الخلوة بها مدة المسألة بأمينة نفقتها في بيت المال؛ لأنه يعتقد الحل والعدل كغيره وبخلاف المعتدة، فإن طلبت النفقة تفرض نفقة العدة مدتها؛ لأنها زوجة أو معتدة بخلاف ما قبل الدخول ا هـ. وتمام مسائل الحيلولة في كتاب القضاء من البزازية وغيرها. (قوله: بانت أو مات عنها في سفر وبينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إليه) أي إلى مصرها مطلقا سواء كانت في المصر أو غيره هذا إذا كان المقصد ثلاثة أيام أما إذا كان المقصد أقل فهي مخيرة. (قوله: ولو ثلاثة أيام رجعت أو مضت) أي: لو كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام خيرت إذا كان المقصد كذلك وهي في المفازة ولكن الرجوع أولى أما إذا كان المقصد أقل من ثلاثة أيام تختار الأدنى. (قوله: معها ولي أو لا) متعلق بالصورتين. (قوله: ولو كانت في مصر تعتد ثمة فتخرج بمحرم) فلا تخرج قبل انقضائها مطلقا سواء كان لها محرم أو لا قيد بالبائن؛ لأن المطلقة رجعيا تابعة للزوج ولا تفارقه وحاصل الوجوه كما في فتح القدير إما أن يكون بينها وبين مصرها ومقصدها أقل من السفر فتتخير والأولى الرجوع على ما في الكافي وعلى ما في النهاية وغيرها يتعين الرجوع وإن كان أحدهما سفرا والآخر دونه فتختار ما دونه، فإن كان كل منهما سفرا فلا يخلو إما أن يكون في مفازة أو مصر، فإن كانت في مفازة تخيرت والأولى الرجوع وإن كانت في مصر لم تخرج بغير محرم، وفي البدائع لو كانت الجهتان مدة سفر فمضت أو رجعت وبلغت أدنى المواضع التي تصلح للإقامة أقامت فيه واعتدت إن لم تجد محرما بلا خلاف، وكذا إن وجدت عند أبي حنيفة ومثله في المحيط والله أعلم بالصواب.
|